معضلة الموظف النجيب – حين يعمل بصمت ولا يُكافأ

معضلة الموظف النجيب – حين يعمل بصمت ولا يُكافأ

معضلة الموظف النجيب – حين يعمل بصمت ولا يُكافأ

في المؤسسات، كما في الحياة، لا يتلقى الجميع التقدير بنفس الطريقة.
هناك من يلفت الانتباه بضجيجه، ومن يحقّق الأرقام بحيله،
وهناك من يعمل بصمت، بإتقان، بشغف للتطوير… لكنه لا يظهر.
ذلك هو الموظف النجيب، الذي يشبه في روحه التلميذ المثالي في المدرسة:
منضبط، متعلّم، دائم السعي للتحسين، يقدّس الجودة، ويؤمن أن العمل المتقن يفرض احترامه.

لكن الواقع المؤسسي لا يشبه فصلا دراسيا.
وما بدا نجاحا ذات يوم… قد لا يكون كافيا هنا.

 

معايير متضاربة… لغتان لا تلتقيان

الموظف النجيب يقيس نجاحه بالإتقان، التعلم، المبادرة، تحسين العمليات.
أما بعض المدراء—خصوصا من نمط “المدير الربحي”—فيقيس النجاح بشيء واحد:
النتائج المالية الملموسة.

المدير يريد من “يعرف من أين تؤكل الكتف”،
يريد من يغتنم الفرص، يفاوض بقوة، يحقق الأهداف بسرعة.
أما الموظف النجيب، فيريد أن يصلح النظام، يطوّر العمليات، يحسّن الطريقة… قبل أن يندفع نحو النتيجة.

وهنا، تبدأ الفجوة في الاتساع.

 

التقدير الغائب: من يعمل بصدق لا يُرى

لأن الموظف النجيب لا يروّج لنفسه،
ولا يبالغ في الظهور،
ولا يتقن لعبة الأرقام السريعة أو العروض البرّاقة،
فغالبًا لا يكافأ كما يستحق.
يتلقى عبارات تقدير عامة، لكنه لا يدعَم، لا يصعَّد، ولا يستثمر فيه كقائد.

هذا الشعور بالإهمال، أو بتجاوز القيمة، يصنع تشوّشا داخليا حادا:
هل أنا في المكان الخطأ؟
هل عليّ أن أتغيّر؟
هل المثابرة والضمير والحرص على الجودة كافية؟

أثر هذا التناقض: انسحاب الكفاءات في صمت

عندما لا تُفهم طريقتك في العمل، ولا تُحترم معاييرك،
يحدث ما يعرف بـ “الانسحاب المهني الصامت”:
لا يستقيل الموظف النجيب، لكنه يكفّ عن الحماس،
يكفّ عن اقتراح المبادرات،
يتحول إلى منفّذ جيد… بلا طموح.

والأخطر: يبدأ بتقليد النمط الربحي فقط ليرضي الإدارة،
فيفقد هويته، وتفقد المؤسسة أحد أنقى أشكال التطوير.

 

هل الموظف النجيب معصوم من الخطأ؟

لا.
فأحيانا:

  • يغرق في التفاصيل وينسى الصورة الأكبر.
  • يرفض المخاطرة لأنه يخاف الفشل.
  • ينتظر التقدير بصمت ولا يطلبه بوضوح.
  • يظن أن الجودة وحدها ستتكلم، دون الحاجة لعرض النتائج.

وهذا يجعله عرضة للتجاهل، حتى لو كان فعله يستحق التصفيق.

 

حين يصطدم النموذجان

  • المدير يرى الموظف مثاليا أكثر من اللازم، وغير عملي.
  • الموظف يرى المدير سطحيا، مهووسا بالأرباح، غير مهتم بجوهر العمل.الفريق ينقسم، والثقة تتآكل، والثقافة المؤسسية تضعف.

 

ما الذي يجب أن يحدث؟

  • أن يعاد تعريف النجاح داخل المؤسسة:
    النتيجة المالية مهمة، لكنها لا تأتي إلا من نظام جيد، وفريق ملتزم، وبيئة عادلة.
  • أن تفتح قنوات لعرض الإنجاز الخفي:
    من حسّن تجربة، من اختصر وقتا، من منع خطأ، من طوّر أداء.
  • أن يتعلم الموظف النجيب مهارات العرض والتأثير، لا ليقلد، بل ليُفهم.
  • أن يتعلم المدير الربحي أن ليس كل قيمة تُقاس في تقرير،
    وبعض الإنجازات تحتاج وقتًا لتؤتي أُكُلها.

 

النهاية ليست حتمية

الذكاء التنظيمي لا يعني أن تنتصر فئة على أخرى،
بل أن تتكامل النماذج،
أن يعمل الموظف النجيب مع مدير يفهمه،
وأن يتعلّم المدير كيف يستثمر في من يُحسّن الجوهر.

لأن المؤسسة التي لا ترى الكفاءات الصامتة… ستفقدها بهدوء.

 

 كتبها: عيّاد شكري | أبويحي

 

#بيئة_العمل
#سلوك_مهني
#القيادة_التنظيمية
#الكفاءات_المظلومة

 

AYAD CHOKRI
انتقل إلى أعلى