الهوية المهنية: هل “أنا” ما أراه أنا ؟ أم ما يراه الآخرون؟

الهوية المهنية: هل “أنا” ما أراه أنا ؟ أم ما يراه الآخرون؟

في عالم يطالبنا دائمًا بأن نُعرّف أنفسنا:
“ماذا تعمل؟ ما تخصصك؟ ما الذي تبرع فيه؟”
تبدو الهوية المهنية كأنها بطاقة يجب أن نحملها معنا في كل مكان…
لكن في العمق، هي سؤال مفتوح، متحرّك، يتغيّر مع الزمن والتجربة والنظرة الذاتية.

هنا، نقترب قليلًا من أسئلة الهوية الذي تراودنا بصمت.
لماذا يصعب علينا تحديد هويتنا المهنية؟ ولماذا يصعب الحفاظ عليها؟
وما الذي يجعل الأمر أكثر تعقيدًا كلما تعلّمنا أكثر؟

هوية مشوشة… لا تُعرّفك كما يجب

المشكلة ليست فقط في غياب التسمية…
بل في اختلاف فهم الناس لها.
قد تقول: “أنا مدير.”
لكن، أي نوع من المديرين؟ مشاريع؟ عمليات؟ فرق عمل؟
وقد تقول: “أنا مصمم.”
لكن التصميم بحر واسع: هل تقصد التصميم الجرافيكي؟ تجربة المستخدم؟ التفكير التصميمي؟ تصميم الخدمات؟

الهوية المهنية ليست مجرد عنوان، بل تمثيل لطريقة تفكير، منهج عمل، وأسلوب تأثير.
لكن هذا المعنى غالبًا لا يظهر في كلمة واحدة… ولا يُفهم بالسرعة التي نحتاجها في هذا العالم المتسارع.

صعوبة الاكتشاف

في مرحلة ما من مسيرتك، قد تشعر بأنك “تعرف القليل من كل شيء”.
تملك المهارات، لكن لا تملك عنوانًا جامعًا.
تعرف كيف تُنجز، لكن لا تدري ما الذي تُجيده أكثر من غيره.
وهذا ما يجعل الهوية المهنية صعبة الإمساك:
ليست نتيجة اختبار، ولا تلخيصًا لسيرة ذاتية، بل عملية مستمرة من المراجعة والتأمل والسؤال.

صعوبة التقبّل

حتى حين تبدأ ملامح الهوية في التشكّل داخليًا…
تصطدم بجدار خارجي: عدم التقبّل.

أن تقول “أنا مستشار استراتيجي مستقل”، لا يعني أن الآخر سيفهم دورك، أو يقدّره، أو يدعمه.
أن تُعلن هويتك المهنية لا يعني أن السوق سيتعامل معك على هذا الأساس.
وهنا تبدأ المفارقة: لتُحافظ على هويتك، عليك أن تُدافع عنها، تُبررها، تُعيد شرحها… مرارًا.

خطر التعدد

المعرفة المتعددة سيف ذو حدّين.
كل مهارة إضافية تمنحك فرصة، لكنها تسلبك وضوحًا.
تتعلّم شيئا جديدا، فتسأل نفسك:
“هل أضيفه لهويتي؟ أم أتركه مهارة خلفية؟”

تجد نفسك مشتتا بين مجالات تعرفها جيدا… دون أن تدري ما الذي يُفترض أن تمثّله.
وإذا لم تنتبه، يتحوّل التعدد إلى تشوّش، وتفقد القدرة على تقديم نفسك بثقة.

فقدان الاستقرار

الهوية المهنية ليست فقط ما نفعله، بل كيف نعيش ما نفعله.
وحين لا يكون هناك نمط يومي واضح، أو مسار مهني محدد،
يصعب تكوين صورة ثابتة للذات.

كل عميل يراك بشكل مختلف.
كل مشروع يمنحك قبعة جديدة.
كل مرحلة في حياتك تعيد صياغتك من جديد.
فتبدأ تسأل بصوت داخلي منخفض:
“هل “أنا” ما أراه أنا ؟ أم ما يراه الآخرون؟”

كيف نبني هوية لا تنهار مع الوقت؟

  • اختر جوهرك، لا عنوانك. اسأل: ما القيمة التي أقدمها؟ وليس فقط: ما وظيفتي؟

  • اجعل لهويتك ملامح قابلة للشرح. تعرّف بنفسك من خلال الأثر، لا اللقب.

  • لا تسجن نفسك في تعريف واحد. اسمح لهويتك أن تنمو وتتطور معك.

  • لا تطارد كل مهارة. اختر ما يخدم رؤيتك الطويلة، لا ما يواكب الموضة.

  • راجع نفسك دوريًا. الهويات تتآكل أحيانًا بصمت، وتحتاج منا أن نُحييها بوعي.

خلاصة

الهوية المهنية ليست بطاقة نُعلّقها، بل طريق نرسمه ونحن نمشيه.
هي رحلة مستمرة بين من نحن اليوم، ومن نريد أن نكون غدًا.
وهي أيضًا جزء من معركتنا الأكبر: أن نعمل، لكن لا نضيع في العمل.
أن نُجيد، دون أن نفقد صوتنا الخاص وسط ضجيج التعاريف الجاهزة.

اكتب هويتك، لكن لا تُغلقها.
أفسح لها مجالًا لتتنفس، وتتطور، وتنضج معك.

_____

كتبها: عيّاد شكري | أبويحي

AYAD CHOKRI
انتقل إلى أعلى